دور الزوايا الصوفية في حماية المجتمع من التطرف…. بقلم الشيخ عبد الرؤوف اليماني الحسني مرشد صوفية الصين
الحمد لله الذي جعل في الأمة رجالًا حملوا ميراث النبوّة علمًا وتربيةً وسلوكًا واخلاقيا ، وصلاةً وسلامًا على سيد الهدى محمد وآله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين.
إن الزوايا الصوفية كانت – وما تزال – منارة هداية في دار الإسلام، ومؤسسات روحانية لعبت دورًا عميقًا في حفظ توازن المجتمعات، وترسيخ أخلاق السلم والرحمة، وصيانة النفوس من تيارات الغلو والتطرف. وحين نعيد قراءة تاريخ هذه الزوايا، نجدها ليست مجرد مواطن للذكر والخلوة، بل مدارس تربوية منهجية تخرّج أجيالًا من أهل الاعتدال وحسن المعاملة.
أولًا: التربية الروحية حصنٌ ضدّ خطاب الكراهية
التطرف لا ينشأ من فراغ؛ إنما ينبت في أرض خلت من المعاني الإيمانية العميقة، وابتعدت عن الذكر، وفقدت البوصلة الأخلاقية. والزوايا الصوفية قامت منذ نشأتها على تهذيب القلب وتزكية النفس، وإحياء المعاني التي صاغت شخصية المسلم المتوازن: التواضع، الرحمة، الستر، احترام الخلق، ومحبة الخير.
هذه التربية الروحية تقتل في بدايتها جذور الغلو، وتُسقط من النفوس دوافع العنف قبل أن تتشكّل.
ثانيًا: العلم الشرعي المنضبط ومقاومة التأويل المتطرف
من أخطر أسباب التطرف سوء فهم النصوص الشرعية، واقتطاعها من سياقاتها، وفي الزوايا، يتلقى المريد علمًا متينًا على أيدي مشايخ الطريق وعلماء الحقيقة هم علماء الراسخين في الفقه والتفسير والسيرة، يجمعون بين النقل والعقل. وهذا المنهج يحول دون الانزلاق خلف دعاة الفتنة الذين يلوون أعناق النصوص لخدمة مشاريع العنف.
ولذلك كانت الزوايا عبر التاريخ حائط صدّ في وجه دعوات التكفير والتشدد، لأنها تقدم تفسيرًا رحيمًا، شاملًا، متوازنًا لمقاصد الشريعة.
ثالثًا: إحياء قيم المحبة والوحدة بين الناس
المتصوف الحق لا يعرف حدود الكراهية ولا يقبل بثقافة الإقصاء؛ فهو يرى الخلق جميعًا عيالًا لله، وأحبّهم إلى الله أنفعهم لعياله.
ورسالته دائمًا تهدف إلى إصلاح ذات البين، وردم الفجوات بين الناس، وشفاء النفوس من الغضب والانتقام. وهذه المبادئ تمثل علاجًا ناجعًا للأجواء الاجتماعية التي ينمو فيها التطرف.
رابعًا: العمل الاجتماعي ودوره
في إبعاد الشباب عن التطرف
لم تقتصر الزوايا يومًا على التوجيه الروحي، بل قامت بدور اجتماعي واسع:
كفالة المحتاجين
تعليم الأطفال
احتضان الشباب وتوجيههم
نشر ثقافة العمل والتكافل
عندما يجد الشاب صدرًا رحيمًا، وبيئة آمنة، وقدوة صالحة، لا ينجذب إلى جماعات تملأ فراغه بشعارات القتال والعداء.
خامسًا: الخطاب الصوفي
هو خطاب سلام عالمي
ففي عالم تمزقه الصراعات، يقدم التصوف لغةً يفهمها كل البشر: لغة القلب.
إن خطاب المحبة والإحسان الذي تحمله الزوايا يمثل جسرًا للتواصل الحضاري، ويسهم في تحسين صورة الإسلام عالميًا، ويعزز القيم المشتركة بين الشعوب. وكلما كان صوت الحكمة حاضرًا، خفتت أصوات الغلو.
إن الزوايا الصوفية ليست أثرًا من الماضي، بل ضرورة من ضرورات الحاضر والمستقبل. فهي تمثل مدرسة تربية، وبيت علم، ومركز إشعاع فكري وروحي. وحماية المجتمع من التطرف لن تتحقق بالسلاح وحده، بل ببناء النفوس، وصناعة الإنسان المتزن.
وذلك ما قدمته الزوايا جيلاً بعد جيل، وما نحتاجه اليوم أكثر من أي وقت مضى.
نسأل الله أن يبارك في كل جهد يُصلح النفوس، ويُطفئ نار الفتنة، ويُعيد للأمة روحها ومقامها.




