جريدة المجالس

عالمك الالكترونى لكل ما هو جديد معانا هتقدر تعرف كل الاخبار المحلية و الدولية من رياضية و سياسية و اقتصادية.

ثقافة و فن

كلام كتب| برواية سامية عياش.. مأساة الفلسطيني «تكاد تضيء»

unnamed1 (1)

صدر حديثًا عن دار كيان للنشر والتوزيع، رواية “تكاد تضيء”، للكاتبة الفلسطينية سامية عياش، والتي جاءت في 278 صفحة من القطع المتوسط.

عبر فصولها الخمسة (ذاكرة، وعتمة، وأمنيات، وتأرجح، وضجيج) تسير رواية تكاد تضيء بطريق متوازٍ عبر حياتين وبين زمنين مختلفين، الزمن الأول تشقه حنان العائدة من الأردن تجرجر فشل زواجها، والآخر تقرأه من خلال مذكرات تيماء التي وجدتها على الجسر الواصل بين شرق الضفة وغربها.

” كلّ ما فيها كان يستشعر جسده، تفكر كم مرة عانق التراب دون أن يذوب فيه حقيقة، جسده الذي آوى كل الزنزانات على عكس ما تظنه الصدور بأن الزنزانة تَحوي ولا تُحتوى. جسده الذي لم يبكها إلا بالدم، ولم يتكلم إلا بلغة الصبر والصمت، جسده ذاك العصيّ الذي فقد ماء طفل بقي يحلم أن يكون له.. يداها اللتان تتحسسان طريق شفتيها قبل أن تمرا فوق الأبيض البارد، يداها الراجفتان، الخائفتان من أن تخدش فيه شيئًا، يداها كانتا حلمه لو كان حيًّا. ظلت تتحدث أمام جثته كما لو كان يقظًا، دون أن تبكي، كانت مدفوعة للحكي لا للبكاء، فللبكاء وقته الذي لم يحن”.

بألم وحسرة تراجع حنان خيباتها، فيما تذكر أغاني عرسها الفلسطيني، ورقصات الجارات وزغاريتهن. تطلعنا حنان عبر مونولوج داخلي على الشخصيات التي شكلت ماضيها وأحاطت  بها وأثرت في قراراتها، الدكتور سميح، ابن عمها وطليقها الذي كان النسوة يتفاخرن بأنها ستصبح حَرَمَه، ذلك الزواج المحكوم بالوطن، والمدبوغ بالأرض.. تطلعنا حنان أيضا على ليلى صديقتها التي زجرتها حين سألت عن قصي ليلة سفرها إلى الأردن، عن والدها السجين القديم في سجون الاحتلال، عن أمها بهداياها المشبعة بالدم، عن زغرتة أم أحمد لتعوضها بأمومتها، عن قصي ونظرته المتسللة المحفوظة في جراب القلب.

ماذا عن الوطن؟ عن عتبة الدار؟ عن الشرفات؟ ماذا عن شجرة الليمون ودالية العنب؟ ماذا عن والدها؟ عن السجن؟ عن ألم الطفلة التي يُختطف منها والدها خلف القضبان؟ ماذا عن سجنه الثاني؟ ماذا عن كل ذلك حين تعود حنان بورقة طلاق؟ حين تدخل  في وِحدة، فارغة من وطن يعني أيضا من نحب، من نفتقد، من لم تجدهم حنان في طريق عودتها، ووجدتهم في مذكرات تيماء، حيث لؤي الذي يطفئ وِحدة مفرطة، وتساؤلات وجودية لا تنتهي..

تقف حنان أمام تساؤلات الآخرين: كيف؟ كيف قبلتِ أن تكوني مطلقة بهذه البساطة؟ ماذا سيقول الناس؟ كيف ستمشين في الشوارع؟ أليس عليك أن تستري نفسك وتتزوجي بالرجل الخمسيني أبو محمد الذي طلبك منذ أيام؟ فإلى أين تهرب حنان من واقعها؟

في رواية تكاد تضيء يتفتّح الارتباك الأوليّ للحب، ورغم الألم يقفز عبر الخدود المحمّرة، ويختبئ داخل الحكايات القديمة التي تتناقلها الأجيال، وينمو في الشعر والكلام الموارب على كل الاحتمالات.. حيث أدونيس، وكافكا، ومحمود درويش، والبياتي، وإلياس خوري، وباولو كويلهو، وأغنيات موضوعة على جروح مفتوحة.

كل تلك النصوص المتنوعة بين الشعر والرواية والأغنية يتبادلها لؤي وتيماء محمولين في دفتر أسود عبر رسائل بريدية ويوميات تشفّ مشاعر إنسانية صادقة، تصبح تلك النصوص والمشاعر دليلا تهتدي به حنان في طريقها.. فأين الطريق؟

لا تنسى الرواية أيضا الحالة السياسية الفلسطينية فترة سرد الرواية، بكل ما في حياة الفلسطيني العادي من تضارب وأفكار وأحداث، دون أن يحوّل الرواية إلى منبر أو بوق سياسي، إذ تُكتب مذكرات تيماء ما بين 2005 وحتى 2006، فيما تعيش حنان بين 2007 وحتى 2008.

لكن: أين تذهب صفحات تيماء اللاحقة؟ كلماتها تختفي عند تاريخ بعينه، نهاية مبتورة تريد أن تعرف حنان مصيرها.. فهل تبعث لتيماء ببريد إلكتروني؟ هل تلتقي الأزمنة والطرقات أخيرا؟ وهل يعود الدفتر الأسود لصاحبته؟

رسائل طويلة بين تيماء وحنان توطد ما حدث بعد الكلمات المختفية، تحاول أن تسدّ الألم المتسرب خلف الكلمات، وتنساب كشلال من الحسرة، والذكرى.. فتكون جزءا من حياة لا يمكن تناسيها أو حذفها.. هذه الرسائل ضوء شمعة لحنان كي تسير في طريق قصي دونما تراجع.

تنتهي الرواية بوفاة الشاعر الفلسطيني محمود درويش، تنتهي وكأن مخاضا أنجب الحب، فالأمل لم يمت بوفاة محمود درويش، إنه يعشعش في كلماته، لتنتهي الرواية باعتراف كامل في الحياة والاستمرارية:

كُنتني وقد صرتكِ

صرتني وقد كنتكِ

إنه الجوهر،

الجوهر،

الجوهر!

ومن أجواء الرواية..

“الرؤية تنجلي أمامك، كأنما كنتِ عمياء عن هذا المشهد المزدحم بالحكايات، فحين يغلق باب الحافلة بمن فيها، ويطول الانتظار على نهر الأردن، نبدأ بالنظر إلى أنفسنا، رغبة ما بالتصالح تطفو، وأحيانا كثيرة تقفز الذكريات والأحلام القديمة التي ظننا طالما أنها ماتت مع الزمن، والمدهش أكثر، بالنسبة لي على الأقل، أن الحافلة تمنحنا فرصة للتعرف على الآخرين، النظرات التي نتبادلها ككلمة مرحبا، تفتح بابا للحوار، والتأمل، والحيرة، والطمع الإنساني، والمقارنة، والصد، والحب والنفور. قد يجرؤ أحدهم كما فعل جاري، بالحديث مع جارته، النظرة المنجذبة تكشفهما، والبسمة الخجولة، بدا جاري بالقول إن الجو بارد، ثم تحدث عن الانتظار ونعمته ناظرا في عينيها تماما، لم أستطع معرفة ملامح وجهها جيدا من مقعدي، كانت بعض أجزاء جسدها اليسرى تظهر ثم تختفي، كتفها، وذراعها، يدها وهي تعدّل تصفيف شعرها، أذنها إذا ما جمعت خصل شعرها وراءها، وحين وقعت حقيبتها أرضا رأيت جذعها وهي تنحني، وبعض وجهها.. بعدما تحدث جاري انقطع الكلام بينهما، ربما خجلت، وربما كان هذا صدّا، ولمّا تحدثت مع أحدهم على الهاتف، بدا صوتها مرتبكا بعض الشيء، ورغم كونه رائقا وصافيا، فقد تصنعت بعض النعومة والدلال أحيانا، كانت رنة صوتها الصافية كافية كي تحرك قلب الرجل، أدار وجهه نحو الشباك فور ضحكها، وكأنه يخبئ شيئا يخشى أن ينفلت، ولعله انتبه لنظراتي المراقبة أيضا، فجأة رفعت سماعة الهاتف عن أذنها، وسألته: أين نحن تحديدا؟ فانشرح بإفراط فاضح وهو يخبرها أننا أعلى النهر، على الجسر، وقبل جسر اليهود بقليل، وأضاف: أمامنا تقريبا خمس باصات على الأقل! وإذا، فإن بذرة هذا التجاذب بين جاري والفتاة الحلوة، تعيدني إليّ: أكنتِ تحبين سميح يا حنان؟”.

 

اخبار متعلقة

كلام كتب| «مذنب أنا».. ظلمة الزنازين وذكريات مؤلمة

«المسيح يصلب من جديد».. رواية تحاصر القاريء بين ألف تأوليلٍ وتأويل

«في بلاط الخليفة».. رؤية معاصرة للفاروق في قالب روائي

«ألماس ونساء».. أول رواية تتناول المهجر السوري في أميركا اللاتينية