جريدة المجالس

عالمك الالكترونى لكل ما هو جديد معانا هتقدر تعرف كل الاخبار المحلية و الدولية من رياضية و سياسية و اقتصادية.

ثقافة و فن

فى خطابات “ورد ورماد”.. رسائل محمد شكرى و “برادة” بطعم الرثاء

122015111664591420151108_110041_2774

“لم تعد هناك مسرات كما كانت من قبل، أيام البيتنكس والهيبز كان ما زال فيها بقية من روعة العيش، لم يعد فيها اليوم سوى الصرافين فى السوق السوداء ومقاولى العمارات الجديدة لتبييض أموال المخدرات والمضاربات الدولية. صديقاتى العاهرات القديمات غزتهن الشيخوخة بسرعة فبقيت وحدى”… هذا ما كتبه الكاتب المغربى الشهير “محمد شكري” يوم 24 يناير 1981 فى رسالة بعث بها لصديقه الكاتب المبدع والأكاديمى محمد برادة.

كان “محمد برادة” مشغولا بمحمد شكرى صاحب “الخبز الحافى” يراقبه مراقبة الأخ الخائف عليه يدفعه للكتابة ويحفزه ويقدمه للناشرين ويصادقه القول ويسر له بالوجع والهموم، نكتشف ذلك فى الرسائل المتبادلة بينهما والتى جمعها “برادة” وصدرت فى كتاب “ورد ورماد – رسائل – محمد برادة – محمد شكرى” والصادر عن قطاع الثقافة بمؤسسة أخبار اليوم” والكتاب يشمل الرسائل المتبادلة بين الكاتبين منذ 1975 وحتى 1997.

فى الإشارة التى كتبها “برادة” يؤكد أن أول مرة التقى بمحمد شكرى كان فى عام 1972، وكان اللقاء مفاجأة لـ”برادة” حيث وجد “شكرى” يغرد خارج “أسطورته” التى وضعها الناس فيها، يقول “برادة” “كان رزينا فى حواره، عقلانيا فى حججه، جريئا فى طروحاته ونقده لما يقرأ. لم يكن مشدودا إلى “أسطورة” ماضيه، بل كان مفتح العينين على حاضره”.. لكن هذه الإشارة التى افتتح بها “برادة” الكتاب كانت “متسرعة” أيضا أو هى رؤية المحب، فالرسائل المتبادلة تكشف أن “شكرى” كان ساقطا فى الماضى لم يعرف الخروج من شرنقته الكاملة حاول كثيرا كثيرا لكن ظل يعانى من سيطرة “الخبز الحافى” وبما يرصده حوله من حكايات.

الرثاء والتحسر هما غلاف الرسائل بين الكاتبين الكبيرين، فمحمد شكرى يحمل قلب طفل خائف قلق يخشى الأشياء وما جرأته عليها وحياته البوهيمية إلا ستار يخبئ خلفه العاشق للقراءة العاشق للموسيقى الخجول الذى لا يقدر على أن يطالب بحقوقه المالية فيطلب من صديقه “برادة” أن يطالب الناشرين بدلا منه، محمد شكرى كان يختبئ خلف سيرته الذاتية” اليوم تغذيت مع مومس عريقة فى مطعم الدورادو. شخنا معا. ربع قرن مضى. بعض النساء لا يصرن لطيفات حتى يشخن. وهذه واحدة منهن. عليك أن تكلمها عندما كانت فى العشرين.. كانت تكشر مثل نمرة فى رفض من يرغب فيها. اليوم “تتمسكن” وتتحسر. من حقها “الله يكون فى عونها” ما ربحته منهن هو أنى أصبحت تاريخهن”

ومحمد برادة أيضا كان يعانى الاغتراب ويحاول دائما البحث عن ماض جميل ومستقبل مرتب “واكتشفت ذات مساء أن الرباط مدينة ميتة مملة وقاهرة للنفس أهلها ينامون أو يدخلون إلى بيوتهم مبكرين والشوارع مقفرة. . بدأت ليلى تبكى من القهر”.. وليلى زوجة “برادة” البطلة الثالثة لهذه الرسائل دون أن تكتب شيئا كانت دائما خيط وصل بينهما تشعر بقلة حيلة “شكرى” فتساعده وتحاول السعى فى نشر كتبه، وتعرف –رغم مرضها – أنها الأقوى فى هذه العلاقة يثق فيها شكرى ويعتمد عليها برادة.

من أجمل ما حدث فى هذه الرسائل الموسيقى، دائما كان يكتب محمد شكرى وفى الخلفية موسيقى عالمية “فلكلورية” من كل بلاد العالم،يقول “أكتب لك رسالتى على أنغام موسيقية، من أرمينيا ، إسبانيا، صقلية، اللاووس، بالى، جاوة والتبت، واقتنيت مؤخرا موسيقى من إيران والصين القديمتين، وسيرلانكا ومدغشقر وإسرائيل، كندا،هنغاريا، بولونيا، روسيا (القديمة) أفريقيا الوسطى، أحواش، الخوطة الأرغوانية، اليابان، البيرو، وبوليفيا. فقط تنقصنى أستراليا.

فى نهاية الرسائل ستحب محمد شكرى تتعاطف معه ستحزن وتصاب بالشجن عندما تجده يكتب “القلم فى يدى ولم أعد أعرف ما أكتب به. ربما هذا ما صرته. انتحرت أدبيا ودون ما أشعر. أرجو أن تنسانى كاتبا وتذكرنى صديقا”، هذا ما كتبه محمد شكرى فى 23سبتمبر 1987 من طنجة إلى “محمد برادة”.