جريدة المجالس

عالمك الالكترونى لكل ما هو جديد معانا هتقدر تعرف كل الاخبار المحلية و الدولية من رياضية و سياسية و اقتصادية.

مقالات

سد النهضة الإثيوبي والمؤامرة القذرة

بقلم / محمد السعيد

بالقراءة المتأنية في ملف سد النهضة منذ أن بدأت الحكومات الأثيوبيه المتعاقبه على مر عقود سابقة في إثارته وطرحه كقضية خلافية بينها كبلد للمنبع ، وبين دولتي المصب وهما مصر والسودان،فمنذ ستينيات القرن الماضي وقضية بناء السد تتردد على ألسنة ممثلي حكومات إثيوبيا، وقد أطلقوا عليه عدة أسماء منذ بداية التفكير فيه مثل المشروع إكس و سد تكيزي وسد الألفية، وآخرها سد النهضة، وقيل أن هذا المسمى الأخير الذي استمر إلى وقتنا الحالي كان قد أطلق على السد نكاية في نظام جماعة الإخوان في مصر مرتبطاً اسمه بمشروع الجماعة الذي عرف حينها بمشروع النهضه، ونظراً لفشل نظام الإخوان في مصر برئاسة الراحل محمد مرسي في إدارة شئون البلاد ،لاسيما ملف سد النهضة، إزداد الملف تعقيداً إلى أن وصلنا إلى مانحن عليه الآن.

ولا شك في أن الفترة من عام ٢٠١١ حتى ٢٠١٣ كانت بداية التفكير في خطة أثيوبيا الخبيثه، والتي انتهزت فيها اثيوبيا وداعموها توتر الأحوال والظروف السياسية التي عصفت بمصر حيث عدم الاستقرار والانفلات الأمني في ظل قيام انتفاضة شعبيه شجعت المتربصون على اقتناص كل فرصة للانقضاض محاولين السطو على الحقوق المائية التاريخية للمصريين .

وإذا تطرقنا إلى ذكر أبرز الداعمين لبناء السد الإثيوبي، فأعتقد أن إسرائيل لها دور فاعل وكبير ولكنه خفي، أما المعلن عنهم فهم الصين و إيطاليا والبنك الدولي، ألمانيا وفرنسا ودول عربية مثل قطر غير أن شركات عربية أخرى قد عدلت عن الفكرة .

وحين أوردت اسم إسرائيل في هذه القضية كأحد الفاعلين و الداعمين الكبار لهذا السد فإن ما تم تسريبه حول الدعم الإسرائيلى فى هذا الملف، والمتعلق بتزويدها للجانب الإثيوبى بمنظومة صواريخ من طراز”سبايدر “لحماية جسم السد،هو ما أكد بأنها لاعب متربص في هذه القضية، ذلك لأن إسرائيل تسعى وبكل سبيل للضغط على مصر للموافقة على بيع المياه لها، لذا لا استبعد أن تكون إسرائيل هي الداعم الأكبر للجانب الإثيوبي في بناء السد، فضلوعها سيكون بطرق غير مباشرة متمثلة في افتعال أزمات بالمفاوضات الدائرة حول ذلك السد .

وإذا تطرقنا إلى موقف الصين فنجد أنها تعد من أكبر الداعمين و المستثمرين في سد النهضة، وللأسف! على الرغم من العلاقات التجارية الممتده بينها وبين مصر، حيث تعد جمهورية مصر العربية أكبر سوق استهلاكية وترويجية للمنتجات الصينية في أفريقيا بل وفي منطقة الشرق الأوسط، لهذا فقد بات علينا إعادة تقييم علاقاتنا بالصين، وبذل الجهود لتحييدها عن هذا الملف للحيلولة دون تردي هذا الملف أكثر مما هو عليه حالياً.

كما أن إيطاليا تقوم بدور المقاول الرئيسي في عملية بناء السد منذ بداية إنشائه في العام ٢٠١١م من خلال إحدى شركاتها الوطنية المختصة بتشييد السدود.

ومن ناحية أخرى نجد أن قطر وتركيا مدرجتان ضمن قائمة الدول الممولة لسد النهضة من خلال مشروع استثماري زراعي ضخم حول منطقة السد .

ولأن أزمة سد النهضة الأثيوبي تعد من القضايا التي تمس ملف الأمن القومي المائي المصري، واعتماد  100 مليون مصري بشكل كامل على نهر النيل يومياً ، لذا فإنه من الطبيعي أن نجد فاعلون دوليين مستفيدين من هذا الخلاف بهذه القضية الخاسره .

فالمتابع لهذه القضية يجد أن الجانب الإثيوبي يريد تغليب مصالحه على مصالح دولتي المصب ” مصر والسودان” من دون مراعاة لمصالح هذين الطرفين و شعبيهما.

كما أن إثيوبيا تسعى دائماً إلى إطالة أمد المفاوضات لتنفيذ مخططاتها متبعة في ذلك سياسة تغفيل أو إلهاء أطراف التفاوض، كما فعلت منذ انطلاق المفاوضات مستغلة انشغال المجتمع الدولي وأطراف العملية التفاوضيه في المباحثات لتبدأ في بناء و تشييد السد وملؤه من دون انتظار لما تسفر عنه نتائج المباحثات ولا بمصالح شركاؤها في نهر النيل، وهو ما يكشف الوجه المموه والخبيث لإثيوبيا. ليس هذا وحسب! بل إن اثيوبيا استغلت حدوث بعض التوترات السياسية بين الحين والآخر بجارتها السودان عقب الإطاحة بنظام عمر البشير وبدأت بشن هجوم بين الحين والآخر من قبل ميليشيات أثيوبية مسلحة على الحدود السودانية في محاولة لاختراق الحدود السودانية ومن هنا يتضح أن أديس أبابا تسعى لإثارة التوترات وافتعال الأزمات مع جيرانها.

وحال تحليلنا لحُجة أثيوبيا من بنائها للسد و القائمة على أن المعاهدات و الاتفاقيات الإطارية التي أبرمت كانت في العهد الاستعماري، والتي نصت على عدم إقامة مشروعات على ضفتي النهر الا بموافقة دولتي المصب، فإننا نلفت عنايتهم إلى أن الإقليم المبني عليه السد حالياً هو أرض سودانية واسمه إقليم بني شنقول أو أرض الذهب، ويعامل سكانه كونهم سودانيون الأصل كمواطنون من الدرجة الثانية من قبل الحكومه الاثيوبيه، ويقع إقليم بنى شنقول غرب البلاد ،ولموقعه المتميز على النيل الأزرق ، استولت عليه أديس أبابا بالاتفاق مع بريطانيا في عام ١٩٠٢م ،ولهذا نجد أن على إثيوبيا رد الأرض إلى أصحابها لأنها هي التي استعمرت هذا الإقليم السوداني عنوه، ولا يصح استغلاله، بل وأقامت عليه مشروع سد النهضة، ممارسة درباً من الإزدواجية في المعايير في نظرتها لهذه القضية.

وبحسب الدراسات والتقارير الفنية التي أجريت حول مدى أمان وصلاحية هذا السد، الذي بلغت تكلفته قرابة ٥مليار دولار ، والتي أكدت الدراسات أنه لن يصمد طويلاً أمام اندفاع وغزارة المياه وسوف يتسبب في الإضرار بمصر والسودان،بالإضافة إلى إحداث توترات بين دول أعضاء بالإتحاد الإفريقى، قد يطول أمدها .

ومن المعروف أن السعة التخزينيه للسد الإثيوبي تقدر بـ 74 مليار متر مكعب، أي ما يعادل الحصة السنوية لكل من مصر والسودان مجتمعتان،فمصر وحدها تبلغ حصتها السنوية من مياه نهر النيل نحو 55.5 مليار متر مكعب. وهذا مالا ترضاه إثيوبيا بل تريد تخفيض الحصه المصرية من المياه إلى 35 مليار متر مكعب فقط ، فيما يريد الجانب المصري تدفق 40 مليار متر مكعب للحفاظ على منسوب المياه في السد العالي من التراجع إلى أقل من 165 متراً، ومن هنا كان الهدف من انطلاق المفاوضات هو وضع خارطة زمنية لملء الخزان تتضمن السماح للمياه بالتدفق إلى دول المصب فى سنوات الجفاف.

وإذا ما كانت أديس أبابا تقول إن الهدف من بناء السد هو توليد الكهرباء وتحقيق التنمية لشعبها، فعليها أن تعلم أن التنمية لن تتحقق الا بالسلام والاستقرار ، فلماذا لا تلتزم إثيوبيا بالمحادثات الدائرة حالياً والخاصة بملئ السد وتنتظر النتائج؟ ! رغم أن مصر لم تقف يوماً ضد أي سد تم إنشاؤه في أثيوبيا ودائماً كانت تراعي حقها في التنمية لكن شريطة ألا يمسها الضرر.

و بإعلان التليفزيون الرسمي الإثيوبي عن بدء ملء سد النهضة، وهو ما أثبتته صور الاقمار الصناعية، وبعدها مباركة الرئيسة الإثيوبية إتمام المرحلة الأولى من ملئ السد ، رغم محاولات أديس أبابا نكران هذه التصريحات ،إلا أن هذه الإجراءات الأحادية تثبت بما لايدع مجالاً للشك أن أثيوبيا تسعى لتنفيذ مؤامرة قذرة، تريد من خلالها الالتفاف على الحقوق التاريخية لدولتي المصب، و تستخف بالأطراف الدولية التي تشرف على عملية التفاوض لا سيما الولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي.

والمتأمل في موقف القاهرة من توقيعها على اتفاقية “إعلان المبادىء”، التي وقعت مع أديس أبابا والخرطوم في العام ٢٠١٥م، يتبين له صدق نوايا الجانب المصري من هذا الملف و مرونته في عمليات التفاوض وسعيه بكل سبيل للوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف ويحقق للجميع المصلحة.

وأرى أن التحرك المصري لمجلس الأمن وبناءً على ماسبق من خروقات إثيوبيا كان تحركاً إيجابياً قد جعل الجانب الإثيوبي يعيد حساباته في ملف التفاوض ويعود إلى طاولة المفاوضات ،ولكن سرعان ما عاد الأثيوبيين إلى التلاعب مرة أخرى بسير المفاوضات، التي انحرفت عن الطريق الدبلوماسي، كما سيطر على التصريحات الرسمية الصادرة عنهم لهجة متعجرفة تجاه أطراف الأزمة .

وإذا كنا نريد حلاً لهذا الملف الشائك فيجب ألا نُعجل بفكرة التدخل العسكري حالياً، لأن مصر والسودان لم تنفد أوراقهما بعد،وليكن خيار القوة لاقدر الله ليس المطروح أو الوشيك، والذي سيكون الخاسر الأكبر فيه الأثيوبيين حيث النتائج على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي ، ناهيك عن القروض التي حصلت عليها أديس أبابا لبناء السد وهو ما سيعاني منه ويتكبده أبناء الشعب الاثيوبي ليكونوا الخاسر الأكبر.

فعلى أديس أبابا أن تراعي مصالح شعبها والعيش في سلام مع جيرانها وأصدقائها الأفارقة، وتتخلى عن تعنتها، وإظهار حسن وصدق نواياها وعدولها عن فكرة إجهاض الحلول الدبلوماسية لأزمة سد النهضة، والالتزام بنتائج المسار التفاوضي وتوقيع اتفاق ملزم للأطراف الثلاثة وهم أثيوبيا والسودان ومصر لإنهاء هذا الخلاف والذي يهدد أمن واستقرار المنطقة الأفريقية.