جريدة المجالس

عالمك الالكترونى لكل ما هو جديد معانا هتقدر تعرف كل الاخبار المحلية و الدولية من رياضية و سياسية و اقتصادية.

مقالات

ثورة تقرير المصير

بقلم/ أحمد عويضة

سيظل يوم 23 يوليو يوما خالدا في تاريخ مصر، ففي هذا اليوم أثبتت قواتنا المسلحة أنها لا تنتمى لأحد سوى الشعب المصري والأمة العربية، وأنه لا مفر من تحقيق العدالة الاجتماعية وامتلاك الشعب لقرار سيادته واسترداد كرامته.

فتحية واجبة لكل من حملوا راية هذه الثورة البيضاء وتمسكوا بمبادئها وثوابتها في تحقيق استقلال مصر مثلت المساواة و العدالة الاجتماعية وثورة 23 يوليو وجهين لعملة واحدة، حيث تصدرت العدالة و المساواة والقضاء مبادئ ثورة 23 يوليو الستة التي تضمنها بيان الثورة.

تلك الثورة التي قام بها الضباط الأحرار من أبناء الجيش المصري بزعامة الراحل جمال عبد الناصر، لتكفل الحماية الاجتماعية للفقراء وتنحاز للطبقات الدنيا وتوفر لها الحد الأدنى من سبل العيش.

آمنت ثورة 23 يوليو بأن انقسام المجتمع إلى طبقتين إحداهما عليا والأخرى دنيا ووجود هوة سحيقة بين الأغنياء والفقراء، وراء انتشار التخلف والجهل والمرض واستمرار الاحتلال في الهيمنة على مقدرات البلاد.

يأتي ذلك إلى جانب توحد إيمان أبناء الجيش المصري مع الشعب بضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية والقضاء على الإقطاع وماله من أثر على نهضة مصر وتحقيق الكرامة الإنسانية للمصريين.

وكان للعدالة الاجتماعية و المساواة التي رفعت الثورة لواءها تفاصيل كثيرة في تحقيقها، البعض منها ظهر جليا والبعض الآخر تحقق بطريقة غير مباشرة.

مظاهر تحقيق العدالة الاجتماعية تجلت في بادئ الأمر، من خلال تحديد الملكية الزراعية بحد أقصى 200 فدان، وإعطاء كل فلاح 5 فدادين لتحقيق الحد الأدنى من سبل العيش، والتي جاءت في أول تشريعات الثورة الإصلاحية في 9 سبتمبر 1952.

يقول أحمد مجدي حجازي أستاذ علم الاجتماع السياسي وعميد كلية الآداب جامعة القاهرة الأسبق، إن ثورة 23 يوليو قامت لتقضى على آثار الاستعمار الذي عانى منه الوطن كثيرًا، ورسخ لمختلف أنواع الاستغلال.

ويوضح حجازي أن الحكم الملكي بشكل أساسي لم يستطع أن يقضي على الفرق بين الطبقات الاجتماعية، وأصبح لدينا طبقات عليا مرتبطة بالاستعمار وطبقات دنيا مرتبطة بالعمال والفلاحين.

يتابع عميد كلية الآداب الأسبق: القضية الأساسية أن ثورة 23 يوليو بقيادة الضباط الأحرار، وعلى رأسهم جمال عبد الناصر وضعت برنامجًا تنمويًا حقيقيًا يستطيع توزيع ملكيات المجتمع المصري أو الثروة في المجتمع المصري بشكل عادل قام على فكرة العدالة و المساواة ، فبدأ يحمي الطبقات الفقيرة في المجتمع المصري، وكانت معظم هذه الطبقات الفقيرة هي الفلاح لذا كان قانون الحد من الملكية بشكل أساسي.

ثم جاء الحد الأدنى للأجور ليمثل مكتسبا جديدا من مكتسبات ثورة يوليو، حين أصدر مجلس قيادة الثورة تشريعا حدد فيه الحد الأدنى للأجور بما يوازي 25 قرشا في اليوم.

وكان لهذا التشريع قصة طريفة، لعب فيها الصعيد دورا مهمًا، فحين كان الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في زيارة للصعيد قام أحد عمال التراحيل بإرسال رسالة للزعيم.. كانت الرسالة مفادها قيام العامل بإعطاء الزعيم الراحل لفافة من البصل والعيش والجبن، في إشارة ضمنية إلى صعوبة الأوضاع المعيشية لهذه الفئة التي يمثلها، فأجابه عبدالناصر وقتها: “وصلت رسالتك” وعمل على سن ذلك التشريع بعدها عقب عودته من الصعيد.

بعد ذلك توالت التشريعات التي من شأنها إصلاح منظومة العمل المصرية، حيث تم وضع تشريعات تنظم علاقة العامل بصاحب العمل تنحاز للعمال، ومنها أجر عادل مقابل ساعات عمل محددة، ووجود تأمينات على العاملين، وحصولهم على معاش، وفي حالة إصابة العامل أثناء عمله، وحصول العمال على نسبة من أرباح المؤسسة الاقتصادية التي يعملون بها.

لم تتوقف مظاهر العدالة الاجتماعية عند هذا فقط فلقد آمنت الثورة أنه لا ارتقاء إلا بالعلم، فطبقت مجانية التعليم التي وضع أساسها الدكتور طه حسين وزير المعارف الأسبق على عهد حكومة النحاس الوفدية.

وكذلك تم إقرار مجانية التعليم الجامعي في يوليو 1961 وفي هذا السياق يقول مصطفى رجب أستاذ علم الاجتماع التربوي بجامعة سوهاج إن إتاحة التعليم المجاني كان مكتسبا هاما من مكتسبات الثورة.

وأوضح أستاذ علم الاجتماع التربوي، أن ثورة 23 يوليو أنشأت مدارس في جميع القرى المصرية، والتعليم الجامعي لم يكن يلتحق به سوى الإقطاعيين حيث كانت تكلفته المالية 150 جنيها في العام.

وتابع: ثورة 23 يوليو هي من جعلت ابن مدرس الابتدائي محمود شهاب يصبح وزيرا “مفيد شهاب” وكان نتاجها أن نصف الوزراء في عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات كانوا من أسر فقيرة.

وارتفع عدد الجامعات ليصل لـ10 جامعات في أنحاء الجمهورية بعد أن كانت 3 فقط، وتم التوسع في ميزانية التعليم والاهتمام بالبحث العلمي.

كذلك أصبح العلاج مجانيا فأصبح للفقراء نصيب من الصحة، والعلاج حق أصيل لهم وليس من حظ الأغنياء فقط، وتم التوسع في إنشاء المستشفيات وإقامة المئات من الوحدات الصحية.

“لا يمكن أن يكون الغنَى إرثا والفقر إرثا والنفوذ إرثا والذل إرثا.. نريد العدالة الاجتماعية ، نريد الكفاية والعدل، ولا سبيل لنا لهذا إلا بإذابة الفوارق بين الطبقات، لكل واحد يعمل ولكل واحد الفرصة ولكل واحد العمل، ثم لكل واحد ناتج عمله”.. هكذا أوجز الزعيم الراحل عبد الناصر رؤيته عن العدالة الاجتماعية وطموحاته لإذابة الفوارق بين الطبقات.. وجاءت ثورة 23 يوليو لتغير خريطة الطبقات المجتمعية.

وفي هذا السياق يؤكد مصطفى رجب أن بعد الثورة التحقت الطبقة الفقيرة بالطبقة الوسطى لتمثل الطبقة 60% من جملة المجتمع المصري، بعد أن كانت لا تتعدى 10% وأصبحت الطبقة الدنيا تمثل 20% والطبقة العليا 5%.

وبذلك تكون ثورة 23 يوليو حققت أحد أهم أهدافها وهو إقامة عدالة اجتماعية والقضاء على الإقطاع وإعادة توزيع الدخل القومي، وجعلت للجميع الحق في الأحلام وتحقيقها بالجد والاجتهاد.