جريدة المجالس

عالمك الالكترونى لكل ما هو جديد معانا هتقدر تعرف كل الاخبار المحلية و الدولية من رياضية و سياسية و اقتصادية.

غير مصنف

بَّحَبكْ، وأُحبك، ونُحَبك

الأديب الكاتب، والباحث الصحفي، والمفكر العربي والإسلامي

الأستاذ الدكتور/ جمال عبد الناصر محمد عبد الله أبو نحل

رئيس المركز القومي لعلماء فلسطين، والأستاذ الجامعي غير المتفرغ

الأمين العام لاتحاد المثقفين والأدباء والكتاب والعرب فرع فلسطين

عضو مؤسس في الاتحاد الدولي للأدباء والكتاب و للمثقفين العرب

رئيس الهيئة الفلسطينية للاجئين، وعضو الاتحاد الدولي للصحفيين

dr.jamalnahel@gmail.com

حينما تَسّمعْ من يبوح لكم قائلاً “بَحَبكْ”، وأُحبك، ونُحبك، فُوقع جمال هذهِ الكلمة كالسحر، وجمالهُا جميلٌ كأجمل عِّطر، وتنزل برداً وسلاماً علي النفسِ، والروح، فترتاح لها وهاًمت بحُسنها الأرواح، ويَّسكُن لعبِقها الفؤاد، وتكاد النفس تطير من الفرح؛ وحينما تسمع غزل المتحابين وخاصة من هُم في مرحلة الخطوبة فّيتبادلان الكلمة ويتهامسان لبعضهما البعض، فّيقُول الخاطبُ لخطيبتهِ بَّحِبكْ،

فتراها تكادُ تطير من السرور، والبهجة؛ ويصبح وجهها مشرق كالنور، وترد عليه خطيبته بقولها، وأنا بَّحِّبكْ، وأُحبك أكثر؛ ومن أجمل البوح حينما تقول الأم والأب لاِبنها بَحِّبكُ، ونحبك الخ…؛

وتكون فرحة الإنسان عارمة ولا توصف، وتبلغ ذروتُها من شدة الفرح حينما يُقَولْ لهُ رئيس أو ملك أو أمير بَّحَبكْ، وأُحبك، ونُحبك. ولكن ما هو أعظم وأجمل وأزكي وأطهر وأصفي وأنقي وأروع وأحلى حب؟

؛ هو حب الله جل جلاله للعبد؛ فهو ليس كحب العباد بعضهم بعضًا؛ لأن الحب في مقاييس البشـر هو حاجة أو حاجات يفتقدها المحب، فيجدها عند المحبوب،

ولكن الله جل جلاله غنيٌ عنا، فَحُبه جل جلاله لنا حبُّ عطفٍ وتفضل، ورحمة، وهو حبُّ قويٍّ لضعيف، وحب غني لفقير، وحب قادر لعاجز، وحبُّ عظيمٍ لصغير، وما أجمل حُب الله عز وجل ورحمته لعباده؛

فمن أحبهُ ربهُ حبب فيه جميع خلقه وكُّتِّبَتْ له السعادة في الدنيا والآخرة، ونجدّ هذا في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه،

قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: (إن الله تبارك وتعالى إذا أحب عبدًا نادي جبريل: إن الله قد أحب فلانًا فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي جبريل في السماء: إن الله قد أحب فلانًا فأحِبوه، فيحبه أهل السماء،

ويوضع له القَبول في أهل الأرض، وما أحلي قوله سبحانهُ وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾

وحينما تسمع لرحمة الله عز وجل بعباده لابد من أن تحب خالقك، وتجعل حبه أّحَبُ إليك من نفسك وروحك ومن كل شيء؛ فجاء في الحديث الصحيح عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا،

فَجَعَلَ يَسْأَلُ هَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَأَتَى رَاهِبًا، فَسَأَلَهُ فَقَالَ: لَيْسَتْ لَكَ تَوْبَةٌ، فَقَتَلَ الرَّاهِبَ، ثُمَّ جَعَلَ يَسْأَلُ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَى قَرْيَةٍ فِيهَا قَوْمٌ صَالِحُونَ، فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَنَأَى بِصَدْرِهِ، ثُمَّ مَاتَ،

فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ، وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ، فَكَانَ إِلَى الْقَرْيَةِ الصَّالِحَةِ أَقْرَبَ مِنْهَا بِشِبْرٍ، فَجُعِلَ مِنْ أَهْلِهَا. وقيل: “فَأَوْحَى اللهُ إِلَى هَذِهِ: أَنْ تَبَاعَدِي، وَإِلَى هَذِهِ: أَنْ تَقَرَّبِي فكان من أهل الجنة”؛ أليس هذه رحمة من الله لعبادهِ –

تجعلك تذوب حباً وشوقاً في لقاء الله عز وجل، ومن صور رحمة الله لعبادة التالي: “قَدِمَ علَى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سَبْيٌ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ قدْ تَحْلُبُ ثَدْيَهَا تَسْقِي، إذَا وجَدَتْ صَبِيًّا في السَّبْيِ أخَذَتْهُ، فألْصَقَتْهُ ببَطْنِهَا وأَرْضَعَتْهُ،

فَقَالَ لَنَا النبيُّ صَلَّ اللهُ عليه وسلَّمَ: أتُرَوْنَ هذِه طَارِحَةً ولَدَهَا في النَّارِ قُلْنَا: لَا، وهي تَقْدِرُ علَى أنْ لا تَطْرَحَهُ، فَقَالَ: لَلَّهُ أرْحَمُ بعِبَادِهِ مِن هذِه بوَلَدِهَا”؛

بالله عليكم هل هناك أعظم من حب الله ورحمته بعبادهِ – ولذلك نحب، ونحب ربنا حبا جماً؛ ومن صور حب الله لعبده المؤمن ورحمته بنا

– أنه في يوم من الأيام وأثناء مرور النَّبي صل الله عليه وسلم في أحد طُرق المدينة الضيِّقة وحوله حَشد من أصحابه رضي الله عنهم،

تصادَف وجود صبيٍّ صغير يَلعب في ذلك الطريق، فلمَّا رأَت أمُّ الصبيِّ القومَ قادمين خشِيَت على ولدها أن يوطَأ من شدَّة الزحام، فأقبلَت إليه تسعَى وتهرول وهي تقول: ابني ابني، حتى أخذَته، فلمَّا رأى الصحابةُ ذلك المشهَدَ العاطفي قالوا: يا رسول الله، ما كانت هذه لتلقي ابنَها في النار! فقال لهم النبي صل الله عليه وسلم:

(لا،، ولا يلقي الله حبيبَه في النَّار)؛ والله عز وجل يدافع عن المؤمنين ويحبهم، ويحبونه؛ وعن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (لمَّا قضى الله الخلقَ كتب كتابًا، فهو عنده فوق عرشه: (إنَّ رحمتي سبقَت غضبي)،

وعن عبد الرحمن بن جبير رضي الله عنه قال: “أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم شيخٌ كبير هرم، سقط حاجباه على عَينيه، وهو مدعم على عصًا – أي:

متَّكئ على عصًا – حتى قام بين يدي النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت رجلاً عمل الذنوبَ كلَّها، لم يترك داجة ولا حاجة إلاَّ أتاها،

لو قسمَت خطيئتُه على أهل الأرض لأوبقَتهم – لأهلكَتهم – أله من تَوبة؟ فقال صل الله عليه وسلم: (هل أسلمتَ؟)، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنَّك رسول الله، قال: (تفعل الخيرات، وتترك السيئات، فيجعلهنَّ الله لك كلهنَّ خيرات)،

قال: وغدرَاتي وفَجراتي يا رسولَ الله؟ قال: (نعم، وغَدراتك وفجراتك)، فقال: الله أكبر، الله أكبر، ثمَّ ادعم على عصاه، فلم يزل يردِّد: الله أكبر،

حتى توارى عن الأنظار”، ومن الأمور التي تجعل العبد يحب الرب الله جل جلاله ما جاء في الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: (قال رجلٌ لم يعمل خيرًا قط لأهله:…)، وفي رواية: (أَسرَف رجل على نَفسِه،

فلمَّا حضرَه الموت أوصى بَنيه إذا مات فحرِّقوه، ثمَّ اذْرُوا نصفَه في البرِّ ونصفه في البَحر، فو الله لئن قدَر الله عليه ليعذبنَّه عذابًا لا يعذبه أحدًا من العالمين، فلمَّا مات فعَلوا ما أمرهم، فأمر الله البحرَ فجمع ما فيه، وأمر البرَّ فجمع ما فيه،

ثمَّ قال له: لِمَ فعلتَ هذا؟ قال: من خشيتك يا رب وأنت أعلم، فغفر له)، ومن صور رحمة الله بعباده حتى لأصحاب المعاصي والذنوب، الحديث الذي يرويه أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صل الله عليه وسلم يقول:

(إنَّ رجلين كانا في بني إسرائيل متحابين؛ أحدهما مجتهد في العبادة، والآخر كأنَّه يقول: مذنب، فجعل يقول: أقصِر أقصر عمَّا أنتَ فيه، قال: فيقول: “خلِّني وربِّي”، قال: حتى وجده يومًا على ذنبٍ استعظمَه، فقال: أقصِر،

فقال: “خلِّني وربِّي”، أبُعثتَ عليَّ رقيبًا؟! فقال: والله لا يَغفر الله لك أبدًا، ولا يُدخلك الله الجنةَ أبدًا، قال: فبعث الله إليهما ملكًا، فقبض أرواحهما، فاجتمعا عنده، فقال للمذنِب: ادخل الجنَّة برحمتي، وقال للآخر: أتستطيع أن تحظر على عبدي رَحمتي، فقال: لا يا رب، قال: اذهبوا به إلى النَّار)، قال أبو هريرة:

والذي نَفسي بيده، لتكلَّم بكلمة أوبقَت دنياه، وآخرته””؛؛ وما أجمل رحمة ربي وقوله سبحانه: “يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ”؛ وعن رحمة الله بعباده ما جاء في حديث أبي هريرة قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: “

جعل الله الرحمة مائة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين، وأنزل في الأرض جزءًا واحدًا، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلائق، حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه”؛؛ وشفاعة النبي محمد -صل الله عليه وسلم-

الكبرى في الخلق لتعجيل الحساب، وشفاعته في أهل الذنوب من أمّته لإخراجهم من النار، وكذلك لمَن تساوت حسناتهم وسيئاتهم لدخول الجنة؛ وإخراج كل من كان في قلبه ذرةً من الإيمان من النار، إذ يأمر الله ملائكته:

(فيقولُ اذهبوا فلا تدَعوا في النَّارِ أحدًا في قلبِه مثقالُ ذرَّةٍ إيمانٌ إلَّا أخرجتُموهُ قال فلا يبقى إلَّا من لا خيرَ فيهِ)، وهذا مصداقاً لقوله تعالى:

(إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ۖ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا)؛ ومن الحب والخير والرحمة هو رحمة الإنسان بالناس كافة مهما اختلفت أعراقهم وأجناسهم وأديانهم؛ لقوله صل الله عليه وسلم: “إنما يرحم الله من عباده الرحماء”

، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – عَنْ رَسُولِ اللهِ – صلى الله عليه وآله وسلم – قَالَ: «غُفِرَ لِامْرَأَةٍ مُومِسَةٍ مَرَّتْ بِكَلْبٍ عَلَى رَأْسِ رَكِيٍّ يَلْهَثُ، كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ، فَنَزَعَتْ خُفَّهَا، فَأَوْثَقَتْهُ بِخِمَارِهَا، فَنَزَعَتْ لَهُ مِنْ الْمَاءِ؛ فَغُفِرَ لَهَا بِذَلِكَ،

وفي رواية أخري :«أَنَّ امْرَأَةً بَغِيًّا رَأَتْ كَلْبًا فِي يَوْمٍ حَارٍّ يُطِيفُ بِبِئْرٍ، قَدْ أَدْلَعَ لِسَانَهُ مِنْ الْعَطَشِ، فَنَزَعَتْ لَهُ بِمُوقِهَا فَغُفِرَ لَهَا»؛ ومن الآيات الدالة علي رحمة الله بنا ومحبته لعبادهِ قوله سبحانهُ وتعالى:

﴿ وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ وقوله :﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾

فطوبى لكم وحسن مئاب، وطُوبي ثم طُوبى لمن أَحَبّهُ الله، وأَحَّبْ الله، وطوبى لمن حَّبَبَ الَعِّبادْ في رب العباد .