جريدة المجالس

عالمك الالكترونى لكل ما هو جديد معانا هتقدر تعرف كل الاخبار المحلية و الدولية من رياضية و سياسية و اقتصادية.

مقالات

المحنة التي عاشها الحكيم الترمذي والتي أعقبتها المنحة

كتب/محمد احمد محمود غالى

كان السبب الرئيس للتهم التي لفقت للحكيم التِرمِذي ونفيه إلى خارج تِرمِذ وبالتحديد إلى بلخ: كتاب “ختم الأولياء: الذي اتهم فيه بتفضيل الولي على النبي وبادعائه للنبوة، وكتاب “إثبات العلل” الذي علل فيه الشريعة تعليلاً عقلياً مخالفاً بذلك الفكر السائد في عصره بأن العبادات غير معقولة المعنى (الحكيم الترمذي، محمد بن علي، ١٩٩٨م، ١٥).

وقد ذُكر في سير أعلام النبلاء: أخرجوا الحكيم من تِرمِذ، وشهدوا عليه بالكفر، وذلك بسبب تصنيفه كتاب “ختم الولاية: وكتاب “علل الشريعة”، وقالوا أنه يقول: أن للأولياء خاتماً كالأنبياء لهم خاتم، وأنه يفضل الولاية على النبوة، واحتج بحديث “يغبطهم النبيون والشهداء”، فقدم بلخ فقبلوه لموافقته لهم في المذهب.

(الذهبي، شمس الدين، ٢٠٠٤م، ٣٥٦). وقال السُّلَمِي: “هجر لتصنيفه كتاب ختم الولاية وعلل الشريعة وليس فيه ما يوجب ذلك ولكن لبعد فهمهم عنه”. والظاهر أن الحكيم الترمذي كان يقصد روح خاتم الأولياء لا شخصه عندما يقول إنه الممد لسائر الأولياء والأنبياء والرسل بعلمهم الباطن. يقول: “

وليس هذا العلم إلا لخاتم الرسل وخاتم الأولياء، وما يراه أحد من الأنبياء والرسل إلا من مشكاة الرسول الخاتم، ولا يراه أحد من الأولياء إلا من مشكاة الولي الخاتم، حتى إن الرسل لا يرونه — متى رأوه — إلا من مشكاة خاتم الأولياء. فالمرسلون من كونهم أولياء لا يرون ما ذكرناه إلا من مشكاة خاتم الأولياء، فكيف مَن دونهم من الأولياء؟” (ابن عربي، محيي الدين،٢٠٠٣م، ٦٢).

ويقول الحكيم التِرمِذي في وصف معاناته النفسية والاجتماعية من هذه التهمة: “فأصابتني هموم من طريق البهتان والسعايات، وحُمل ذلك على غير محمله، وكثرت القالة، وهان ذلك عليً، وسلط عليً أشباه من ينتحلون العلم: يؤذونني ويرمونني بالهوى والبدعة ويبهتون، وأنا في طريقي ليلاً ونهاراً، دؤوباً دؤوباً، حتى اشتد البلاء، وسار الأمر إلى أن سُعي بي إلى والي بلخ، وورد البلاء من عنده،

من يبحث عن هذا الأمر. ورفع إلى أن من يتكلم في الحب، ويفسد الناس، ويبتدع، ويدعي النبوة. وتَقوًلوا عليً ما لم يخطر ببالي، حتى صرت إلى بلخ، وكُتب عليً قباله ألا أتكلم في الحب. وكان ذلك سبباً من الله تبارك اسمه في تطهيري،

فإن الغموم تطهر القلب، وذكرت قول داوود عليه السلام أنه قال: يا رب أمرتني أن أطهر بدني بالصوم والصلاة فبم اطهر قلبي؟ قال: بالغموم والهموم يا داوود”. (الحكيم الترمذي، محمد بن علي، ١٩٦٥م، ١٧-١٨).

وفيما قاله الحكيم التِرمِذي في تلك الرسالة يرد التهمة التي قيلت عنه في كتابه “ختم الأولياء” بأنه يرفع مقام الأولياء فوق مقام الأنبياء، وأن ما قيل إنما هو وشاية قيلت فيه بسبب البغض له

، كما أنها كانت بلاء من الله جل شأنه لتطهير قلبه من الذنوب والآثام. غير أن البعض أشار إلى أن كتابه “ختم الأولياء” قد صرح في مواطن عدة بأفضلية الولي على النبي، وفي مواطن أخرى لم يُفهم ما يقصده فاحتاج إلى تأويل (الحكيم الترمذي، محمد بن علي، ١٩٩٨م، ١٦).

وقد كانت تلك المحنة التي تعرض لها الحكيم التِرمِذي في حياته ذا أثر بالغ في نفسه وفي حياته، حيث اعتبرها، كما ذكرها في رسالته، أنها كانت بلاء واختباراً من الله تعالي، وكما كانت محنة فأصبحت منحة من الله عز وجل حيث اتخذها وسيلة للتغلب على أهوائه وشهواته وملذاته وتطهيراً لقلبه، حيث ذكر كما أسلفنا ” وكان ذلك سبباً من الله تبارك اسمه في تطهيري”.