أبو المواهب عبد الوهّاب الشعراني (القطب الرباني)
كتب محمد احمد محمود غالى
أبو المواهب عبد الوهّاب بن أحمد بن علي الأنصاري المشهور بـالشعراني. وينتهى نسبه إلى الإمام علي بن أبي طالب، عرف الشعراني بنفسه في كتابه لطائف المنن، فقال: «فإني بحمد الله تعالى عبد الوهّاب بن أحمد بن علي بن أحمد بن علي بن محمد بن زوفا، ابن الشيخ موسى المكنى في بلاد البهنسا بأبي العمران، جدي السادس ابن السلطان أحمد ابن السلطان سعيد ابن السلطان فاشين ابن السلطان محيا ابن السلطان زوفا ابن السلطان ريان ابن السلطان محمد بن موسى بن السيد محمـد بن الحنفية ابن الإمام علي بن أبي طالب».
ولد الإمام عبد الوهاب الشعراني في دار جده لأمه بقرية تسمى (قلقشندة) من إقليم القليوبية بمصر فى ٢٧رمضان لعام ٨٩٨ هـ ، ثم جيء به بعد أربعين يوما من مولده إلى قرية أبيه فى إقليم المنوفية على نهر النيل تسمى (ساقية أبي شعرة) وإليها انتسب فلقب بالشعراني. نشأ الإمام عبدالوهاب الشعراني في قريته يتيم الأم والأب بعدما فقدهما في سن مبكرة، فقام أخوه الشيخ عبد القادر الشعراني بكفالته وتولاه بالرعاية، فكان كالأب الحنون المشفق على أبنائه، ظهرت علي الإمام عبدالوهاب الشعراني منذ صغره مخايل الرئاسة وعلامة النجابة، ومحبة العلم والولع به، فحفظ القرآن الكريم وهو ابن ثماني سنين، وواظب على الصلوات الخمس في أوقاتها، وقد كان يتلو القرآن كله في ركعة واحدة قبل بلوغ سن الرشد ثم حفظ متون العلم، كأبي شجاع في فقه الشافعية، والآجرومية في النحو، وقد درسهما على يد أخيه عبد القادر الذي كفله بعد أبيه. فى الثانية عشر من عمره إنتقل إلى القاهرة فى عام ٩١١ هـ ، فأقام في جامع أبي العباس الغمري وحفظ عدة متون منها: { كتاب المنهاج للنووي، جمع الجوامع، ألفية ابن مالك، التوضيح لابن هشام، تلخيص المفتاح، ألفية العراقي للحافظ العراقي، قواعد ابن هشام، الشاطبية.} ثم عرض ما حفظ على مشايخ عصره. لبث في مسجد الغمري يُعَلـِّم ويتعلم سبعة عشر عاماً، ثم انتقل إلى مدرسة أم خوند، تلك المدرسة التي بزغ نجمه وتألق وعلا صيته.
أحب الإمام عبدالوهاب الشعراني علم الحديث فلزم الاشتغال به والأخذ عن أهله، وكان أيضا كاتباً بارزاً في ميدان الفقه وأصوله، وقد سلك طريق التصوف وجاهد نفسه بعد تمكنه في العلوم العربية والشرعية. يذكر أن كفالة أخيه عبدالقادر له كانت فارقة جدا فى حياته، مما ترتب على ذلك عظيم الأثر على شخصيته التي تكونت فيما بعد، لتأخذ مصارا خاصا جمع بين العلم الذي برع فيه وواظب على تحصيله وحفظه، وبين العمل الذي ظهر بشكل واضح عليه، وهو توجهه الصوفي السلوكي الذي عرف واشتهر به، ليصبح في مصاف العلماء الأعلام.
عاش الإمام عبدالوهاب الشعراني ٧٥ عاما ألف خلالها ٣٠٠ كتاب منها على سبيل المثال لا الحصر : { الطبقات الكبرى المسماه بلواقح الأنوار فى طبقات الأخيار، الطبقات الوسطى، الطبقات الصغرى، البحر المورود فى المواثيق والعهود ، مشارق الأنوار في بيان العهود المحمدية، الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية، الفتح المبين في جملة من أسرار الدين،البدر المنير في غريب أحاديث البشير النذير، الكوكب الشاهق في الفرق بين المريد الصادق وغير الصادق، الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية، الأنوار القدسية في بيان آداب العبودية، مختصر الألفية لابن مالك، في النحو، مختصر تذكرة الإمام السويدي في الطب، مختصر التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة تذكرة القرطبي }.
كما ألف أيضا من الكتب الموسوعية : { الدرر المنثورة في بيان زبد العلوم المشهورة، وهو موسوعة في علوم القرآن، والفقه وأصوله، والدين، والنحو، والبلاغة، والتصوف }.
من أقوال الإمام عبدالوهاب الشعراني رضي الله عنه في كتاب البحر المورود في المواثيق و العهود :
(اخذ علينا العهود أن لا ننام قط الا على طهارة باطنة فانها كالظاهرة سواء بسواء وذلك كأن ينام احدنا – والعياذ بالله تعالى – على غل او حسد أو حقد أو غش أو مكر أو خديعة أو تكبر أو ساخطا على تقدير ربه ونحو ذلك من الامراض فربما مات الانسان على تلك الحالة فتكون خاتمته خاتمة سوء وان لم يمت لا تتمكن روحه من دخول حضرات القرب الخاصة بالملائكة وخواص البشر ).
قال عنه الإمام الأكبر الراحل الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر رحمه الله في تقديمه لكتاب عبد الوهاب الشعراني إمام القرن العاشر : ” إنه كان عالما مستنيرا بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان، فهاله أن تتضارب آراء الفقهاء فيما بينهم، فحاول أن يضع بتآليفه المتعددة، وآرائه الثاقبة منهجا صحيحا يوفق فيه بين هذه الآراء المتضاربة والمذاهب المختلفة حتى يبدد ما علق بالأذهاب من شبهات واختلافات، وكان سباقا في هذا الميدان، وتآليفه الكثيرة هي التي تشهد بذلك”.
وبعد حياة علمية تتسم بالعلم والأخلاق والاجتهاد والتصوف وبعد عطاء كريم، توفي الإمام الشعراني في جمادى الأولى لعام ٩٧٣ هـ، ودفن بجانب زاويته بين السورين بميدان باب الشعرية بالقاهرة، رحم الله الإمام الشعراني ورضي عنه وأسكنه فسيح جناته.