جريدة المجالس

عالمك الالكترونى لكل ما هو جديد معانا هتقدر تعرف كل الاخبار المحلية و الدولية من رياضية و سياسية و اقتصادية.

غير مصنف

د. مروة عطالله تكتب : الأم وطن العطاء الأم هي أيقونة الحب الخالدة،

د. مروة عطالله تكتب :

الأم وطن العطاء الأم هي أيقونة الحب الخالدة، وكينونة الجمال الإلهي، وترياق الحياة، وهي السيدة الأولى لأوطان قلوبنا؛ فقد سطَّرت بآلامها، وتضحياتها أكبر ملحمةٍ أسطوريةٍ في تاريخ البشريَّة جمعاء؛ فقد أفنت زهرة شبابها –دون كللٍ أو مللٍ- في سبيل إنماء زهور شبابنا، وإذكائها، وإيلائها حبًّا، وحنانًا، ورعايةً، واحتواءً حتى اشتدت أعوادنا الغضَّة، وقامت أصلابنا على جبال كتفَيْها الرواسخ؛ لذا فنحن لا نحتفي، ونحتفل بها يومًا في العام فحسب؛ بل إنَّ حقَّها علينا أن نحتفي ونحتفل بها في كلِّ لحظةٍ تمرُّ علينا في هذه الحياة التي كانت هي سببًا من أسباب الله في إيجادنا على وجه بسيطتها. وقد أوصانا ديننا الحنيف بالأم، فقايض حقوقها بواجباتٍ لها وعليها؛ فأمَّا ما لها فهو واجب أبنائها تجاهها؛ ذلك الواجب الذي يتحتَّم عليهم تأديته على الوجه الأمثل، والأكمل؛ وهذا ما يوضحه الحديث النبويّ الشريف الذي ثبت في الصحيحَيْن (البخاريّ ومسلم) عن أبي هريرة –رضي الله عنه- أنَّ رجلًا جاء إلى رسول الله –صلَّى الله عليه وسلَّم- فقال: يا رَسُول اللَّهِ من أحقّ الناس بحسن صحابتي؟ قال: (أمك) قال: ثم من قال: (أمك) قال: ثم من قال: (أمك) قال: ثم من قال: (أبوك) مُتَّفَقٌ عَلَيْه، وأمَّا ما عليها فهو واجبها نحو أبنائها؛ فالمرأة المسلمة الواعية تدرك مسؤوليتها في تربية أولادها، وتنشئتهم تنشئة سويَّة سليمة، ولعلَّ هذا ما يظهر جليًّا متمثِّلًا في أبنائها؛ فإنَّك لا تكاد تجد عظيمًا من عظماء أمتنا إلا وهو مدينٌ بالفضل إلى أمه العظيمة؛ فهذا الزبير بن العوام يدين بفضل أمه صفية بنت عبد المطلب عليه، وكذا عبد الله والمنذر وعروة أبناء الزبير الذين يدينون بالفضل لأمهم أسماء بنت أبي بكر (رضي الله عن الجميع)، وكلُّ واحدٍ منهم له مقامه المحمود، وهذا علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- الذي لُقِّنَ الحكمة ومكارم الأخلاق من صدر أمه فاطمة بنت أسد، وهذا عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- خامس الخلفاء الراشدين وأمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب التي كانت أكرم أهل زمانها كمالًا، وأمها المرأة العابدة التقيَّة التي اتخذها عمر زوجةً لابنه عاصم؛ إذ رأى فيها الصدق والأمانة مجسَّدَيْن، يوم لم ترضَ أن تخلط اللبن بالماء كما طلبت منها أمها؛ خوفًا من الله. وتظل الأم –إذن- هي مرفأ الأمان والحنان لنوبات المدِّ والجزر في حياة الإنسان، وكيف لا، وتحت قدمَيْها جنان الرحمن؟!.. فكم احترقت لتضيء لنا ولو قبس يسير من النور لنهتدي به في ليالي قلوبنا المدلهمة، وكم حملت همومنا فكانت كشجرةٍ طيبةٍ مثمرةٍ على جبلٍ أشم.. أصلها ثابتٌ وفرعها في السماء؛ لتنال -هي والأب العظيم- تشريفًا وتكريمًا من المولى -عزَّ وجل- في كتابه العزيز حين يقول: “وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ” (لقمان، 14)؛ فلمَّا أمر الله بالقيام بحقِّه، بترك الشرك الذي من لوازمه القيام بالتوحيد، أمر بالقيام بحق الوالدين فقال: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ)؛ أي: عهدنا إليه، وجعلناه وصيةً عنده، سنسأله عن القيام بها، وهل حفظها أم لا؟ فوصيناه بِوَالِدَيْهِ، وقلنا له: اشْكُرْ لِي بالقيام بعبوديتي، وأداء حقوقي، وألا تستعين بنعمي على معصيتي وَلِوَالِدَيْكَ بالإحسان إليهما بالقول الليِّن، والكلام اللطيف، والفعل الجميل، والتواضع لهما، وإكرامهما وإجلالهما والقيام بمئونتهما، واجتناب الإساءة إليهما على أيِّ وجهٍ من الوجوه سواءً كان ذلك بالقول أو بالفعل، وقد اضطلعت الأم بحمل جنينها “وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ” أي حملته في بطنها وهي تزداد كل يوم ضعفًا على ضعفها، وقيل: المرأة ضعيفة الخلقة ثم يضعفها الحمل، ولمَّا اختصَّ –سبحانه وتعالى- الأم بدرجة ذكر الحمل، وبدرجة ذكر الرضاع حصل لها بذلك ثلاث مراتب، وللأب واحدة؛ فجعل له الربع من البرِّ كما في الحديث النبويّ الشريف سالف الذكر، وقد وصيناه بهذه الوصية، وأخبرناه –أي الله سبحانه وتعالى- أنَّ إِلَيَّنا الْمَصِيرُ؛ أي: سترجع أيها الإنسان إلى من وصَّاك، وكلفك بهذه الحقوق، فيسألك: هل قمت بها، فيثيبك الثواب الجزيل؟ أم ضيعتها، فيعاقبك العقاب الوبيل؟.. فهلَّا أعددت إجابتك.؟!!