جريدة المجالس

عالمك الالكترونى لكل ما هو جديد معانا هتقدر تعرف كل الاخبار المحلية و الدولية من رياضية و سياسية و اقتصادية.

بريد القراء

هــــويـــة وطــــــن

received_10203994534803848

بقلم : اية الله طلعت 

عندما تختلط الأحلام بالواقع ، ومرارة العَيش برغده ، ويتسارع الزمان نحو النهاية وما هو إلا حديث عهد بالبداية ، عندما يشتد الذُل والهوان ، ويختلط العدل بالطُغيان وينبُت الزهر من أرضِ جدباء ، وتُخرج الأفعى عسلُ به شفاء للناس ، عندما يسقط المبدأ أمام الهَوى ، ويسقط الشرف والأمانة لأجل الرزق وسواد الحال ، عندما يقبل المرء أن يُقدم له حقه منحة ، ويرفض أن يُطالب بحقوقه خشية تهاوى أسياط السلطان ، عندما نتخاذل عن قضية ونقبل التخفى وراء الجُدران ونتخذ من قوت اليوم رداًء للخُذلان ، عندما يسود السيد وتُعدم الأجيال وتوأد الحرية لأجل إنسان !

أقفُ في مكانِ به جمعُ ليس بقليلُ من البشر ترأسهم عائلة مكونة من أب وبنت وولد وهم في عمر الطفولة ، لكن العجيب أن اختفى هذا الأب من أمامي وكذلك الطفل أخذ يلهو كعادة الأطفال ، أما عن تلك الطفلة فإن هذا هو الصدمة بحق .. لقد ترأست كرسيُّ العرش كما لو كانت فرعون في زمانه ! .. تحظى على حفاوة ليست طبيعية وتتلاقى عليها العبارات المُنافقة يمينًا ويسارًا حتى تكاد تجعلها تطير بيننا من فرط عجبها بتلك الكلمات…

وقد استمعتُ إلى أحدهم يُحدث الآخر بشئ من الخوف حتى لا تخترق كلماته مسامع حاشية الملكة الجديدة – الطفلة – قائلًا : علينا أن نستمر في المدح والثناء حتى لا نُقذف بالوباء !! أرى أن هذه العائلة تتمكن من الحكم يومًا تلو الآخر فعلينا أن نسعى إلى رضاهم لتُيسر لنا الأمور تباعًا ولا تتعطل مصالحنا ولا تلك الأموال التي تُدس في خزائننا يوميًا وليس هناك أيسر من مداعبة الملكة كي يرضى عنا الملك ! ، إننا نملك شعبُ غبي يقنع بما يجد وإن كان خبزًا أجدبًا بلا قطعة جُبن ! فكيف لا ندخر لنا ما رفضوا أن يطلبوه منا !! فلندع لهم الخُبز ولنملأ خزائننا …

وقد بلغ الثناء حَده حين رأيت البعض يسعى لتقبيل يديهـا وتتعالى ضحكاتها وتتقبلها بالمبالغة والتكبر وأنا أقف في رُكن بعيد لا أدرى لماذا لا أٌشاركهم مجلسهم !! ربما لأنني أتيقن أن زمن العبودية قد ولى ومات ! ليكُن ..

وفى لحظًة من الزمن وجدتُ عدد غفير جدًا من الجنود يُكونون حصنًا بشريًا حول البُنيان الذي نحن فيه مُقيمون واختفت معالم الفرحة فجأة وكذلك الجبروت – أو كما نقول العنتظة الكذابة – لدى تلك الطفلة وأصبحت كمن أُلقى عليها دلوًا من الثلج في ليل قارص البرودة ! أما عنا فقد تجمعنا في مكان واحد جميعًا وربما استلقى البعض على الأرض كي يقي جسده من تطاير الرصاص !

ذهبت حيث الجنود وبكيت ألمًا أُريد أن أشاركهم ! لا بل أُريد أن أحميهم فكيف يدفعون أرواحهم برضا وسكينة هكذا لأجل هؤلاء، وددتُ لو أن اُدفع بالسلاح مثلهم ولكن رمقني أحدُهم ببصره وقال عليكِ أن تدلفي إلى الدار قبل بدء المعركة.. عزمت على النُطق ولكن كأن لساني قد ألجمه قوله ! ماذا معركة !! معركة مَن ؟ وإلى أين ؟! وكيف ؟ ولأجل مَن ؟؟هؤلاء !!

يكاد يتطاير الشرر من عيون القائد الذي دفعني إلى الداخل وأنا أهتُف به لا لا لا.. مكاني ليس بالداخل مكاني بين الجنود .. مكاني معكم .. لستُ أخشى الموت .. لستُ جبانة .. لستُ بامرأة بل أني أنثى بقلب رجُلِ.. أؤمن بالعروبة .. أؤمن بوطني .. أؤمن بالحرية .. فكيف بكَ تتحكم بى وتنزعني من هويتي وتعلن سُلطانك وسيطرتك عليَّ !! .. لا لا لن أسمح لك، لن أقبل بأن أُحمى بكم بل وُجب عليّ أن أحميكم انتم ! .. ظللت أتطلع إلى هؤلاء الجنود .. كيف لي أن أصف تلك الوجوه !! ….. يا إلهى ابتسامة؟!

أجُننتم !! تبتسمون وأنتم مُشرفون على الموت ؟! كيف تبتسمون وأنتم تعلمون أنه الآن بمجرد رصاصًة واحدة ستنتهي لديكم الحياة ؟! فالعرب جميعًا فُقراء أو هكذا لنفسهم أرادوا ولا يملك الجندي البسيط سُترة حديدية تُقيه تلك الرصاصات الغادرة ويصبح جسده هو اللوحة التي يسعى إليها الرماة ! هي فقط رصاصة وتنتهي معها الأحلام والآمال والمستقبل.. ألهذا أنتم مؤمنون ؟! .. تؤمنون بالقضية ! .. بالوطن ! .. بالشرف ! .. بحمل السلاح !.. بل بالموت !!

صُعقت وأنا أرى أن تلك الوجوه الطيبة والأنفُس الزكية ستُزهق لأجل هؤلاء ! .. لا لا بل لأجل هذه القضية، لأجل العِرض، الشرف، الكرامة، الإنسانية، المبدأ، السلام، الحرية، بل لأجل الله !

أليس من حقنا أن نسترد أرضنا ونثور لأجل دمنا وعِرضنا ؟!

وكيف أنتم تَحيون وسط هؤلاء !! كيف يحيا الصدق جوار الخديعة والمكر ! .. كيف ينبُت الزهر بأرض جدباء ! .. كيف يسكُن الرضا جوار سخط مُدعى الإيمان !.. وكيف يسير العُرى جوار أهل الحياء ! .. كيف يحمل الكلل من عَاش لأجل الفناء ! .. ويهنأ بالعَيش والسكينة من أرادوا لنا الانحناء ! .. كيف تُروى الأرض بدمائكُم لأجل هؤلاء التُعساء ! .. أليس عليكم قبل تحرير الأوطان أن تحرروا هذه العقول من الغباء !! .. وتُنيروا لهم الدروب وتختاروا لهم سُبل النقاء ! .. وتُخططوا لأجيالهم سُبل الإباء وقواعد العز والإعلاء ! .. كيف ترحلون لأجل هؤلاء ! .. إنهم لشر الابتلاء ! كأنكُم تبنون لهم ولم تبنوهم فستتطاير أرواحكُم هباء ! .. لأنكم أثرتهم أن تكونوا السعداء ! .. أليست الجنة هي السعادة الحقيقية في دنيا البلاء !

انتبهت فجأة وأنا انظر إلى شبح يأتيني من بعيد ويتمتم بكلمات بدت للوهلة الأولى صعبة عليّ أو ربما هكذا خُيل لي فأنا الآن في عالم أخر لا يمُت للواقع بصلة ، أخذ هذا الشبح يُعيد عليّ كلماته بصوت أكثر قوة ودقة ولكنى مازلت لا أفهم ، ووجدت الضحكات تخرجُ من فمي بشكل يبدوا مفرطًا للغاية وكأني أتلذذ بمحاولته في إخباري بما يُريد وبجهلي عما يود الإفصاح به أو ربمـا أضحك غيظًا وآلمًا لما يحدث حولي ! ربمــا…!!

ما بالى أضحك ! هذا ليس وقت الضحك.. شعرت بيد تقترب إليّ من الخلف ، ربما هذا أحد الأشباح التي لا استطيع رؤيتها أو الاستماع إليها فألتفت لأجد يدُ تحاول أن تدفعني للأسفل كي استلقى على الأرض مثلهم لأقي نفسي من الرصاص الذي يتطاير في أرجاء المكان .. نعم .. نعم .. الآن فهمت ما ظل يُردده هذا الشبح الذي قد خيم الظلام عليه تمامًا ولم يظهر لي منه سوى يديه المرتعشتين والتي تبديَان لي في الظلام وكأنهُما يدي شيطان !! أو ربما هو بالأصل شيطان !! نعم .. ربمــا !! قد ظهر لي هذا الشبح مع بعضُ من صوته الجهوري !

ربما الآن أموت وليس موتًا طبيعيًا بل هي شهادة ! أي جنة بدون حساب أو سابقة عذاب ولكن مازال عقلي مشغولًا بأسئلة كُثر.. هل سيقبلني الله في الجنة ؟ وهل أنا راضية عن حياتي ؟ هل استقمتُ بشتى فروضي في دُنياى ؟ هل لم أُجرم بحق أحد ؟ أجدني مُشرفة على الحساب وسألقى كتابي وبلساني سأقرئه وبسائر حواسي أُصدق على كل ما فعلت به !

يا إلهي إن الموت يأتي فجأة وكُلًا منا منذ دقائق كان لاهيًا في بحر ملذاته ويطمح في المزيد بل رُبما قد أعد عُدتته لأعوام لاحقة ، وكيف لا وقد سمعت منذ قليل أحدهم يُعد خطته للنيل من أموال الرعية لامتلاء خزائن الراعي ! .. ما أغبانا بنو البشر نظُن أننا نملك مُستقبلنا ونخطط له ونعد العدة لذلك ولا نملك من أنفسنا شئ .. تُرى إن أذن الله لروحي أن تُرسل إليه الآن هل أستطيع منعها ؟! بالطبع لا.. إذًا فلماذا يطول أملى بالحياة !!

نفضت كل هذه الأفكار عن عقلي وحاولت أن أتشبث بواقعي أكثر فمازلتُ أملك الوقت.. على الأقل أملُك هذه الثانية ولا بُد أن اصنع بها فارقًا .. نهضت من مكاني وكأن حيَّة قد لدغتني للتوْ .. ذهبت أتحسس طريقًا لهؤلاء الجنود وأنا أسمع الرُصاص يدوى المكان حولي..حاولت أن أقي نفسي من ضربات الرصاص التي تغزو البُنيان حتى لا تُصيبنى أحدهما وأموت .. لا أخشى الموت ولكن لا أريد أن أموت هكذا كما الجُبناء .. أريد أن أصنع فارقًا وأُخطط بدمائي حرية وطني.. أسرعتُ الخُطى ربما استطيع أن أُسعف مصابًا أو انجد متأرجحًا يعلق بخيط الحياة على هاويةِ الممات .. وربما أجد سلاحًا وأقتل عدوًا غادرًا، لصًا دنسًا، حيوانُ بشرى بطلقات رصاصية تهوى به أرضًا..

الحمد لله قد وجدت الطريق ، فتحت الباب برفق ومشاعري تتخبط كأنها تُعارك الزمن ما بين رهبةً ورغبة ، ألمًا وأملآً ، حزنًا وفرحةً وحانت منى الانطلاقة فتحت الباب وقد وجدت جسدًا يهوى أرضًا صرخت !! .. وجدتُ الدماء تجتاز كل طريق من جسده.. بكَم رصاصةً هو قد تم قنصه ؟! وبأي قوة قد تحمل كل هذا !! وكيف صبر والرصاص يتسابق إلى جسده يُريد أن يُكمل الصورة الفنية التي أُطلقت من أسلحة العدو بكل مكر ودناءة !!

أردت أن أسعفه ولكن بماذا وبأي جُرح أضّمدُ قبل الآخر ؟! وجدته يُشير إليّ بأن اقترب فاقتربت وحثني أن أضع أذني قُرب فمه كي اسمع كلماته التي تكاد تتحرر من تحت فكيه بأعجوبة فأنحيت أرقُب أنفاسه بأُذنى وبالكاد أسمع نبضًا يُصارع الرحيل فقال بأنفاسِ متقطعة يشوبها رائحة الموت ..

[ خذي عنى سلاحي وقاتلي.. حان النصر فلا أريد للإسلام وأهله سوى العزة والانتصار.. والقتال ببسالة حتى آخر المشوار .. وكفكفي دموعك بزى الحُرية بعد الانتصار .. وتذكري يوم مولد الأوطان يوم أن هبّت مُطلقةَ القرار.. لترفع عن وجوهها علامات الذُل والانكسار .. ولتذكُرينا في دعائكِ بالأسحار.. وإن كُنتِ لنا تبعًا فهنيئًا لكِ بالجنة ونعم الدار.. هلُمى أحملي عنى سلاح الإعمار .. وقاتلي حتى الجنة أو الانتصار.. وإياكِ أن تخرجي منها ذليلة النفس مُنكسةَ الرأس خلف رداء الجُبن والانهيار.. فإما الجنةً أو الانتصار .. ارفعي هامتك وقاتلي فإن هذه أرضك وهذا عدوك وعار عليكِ أن يعبث بدارك مُغتصب حقير قال أنا الجبار.. حَمَلَتْ أرضنا دماء أخوتي أليس لدمى حقُ بأن يُغار !! .. ويثور مثلهم لعله يحظى برفقة الأبرار !! .. أنطلقى فلتصاحبك السلامة والانتصار .. وأنبئي من خلفك من القوم أن المسلمون يصبرون ويقنعون لكنهم بالذل والمهانة لا يقبلون .. هذه أُمة عربية ومن يقترب منها عليه أن يُجهز كفنِه إن بقى له لدينا أشلاء ! ]

انطلقت وأنا أحمل عنه السلاح وبكل ما أوتيت من قوة أُدافع عن وطني بل هويتي ، وعبراتي تروى الأرض كما الدماء ، ليس حزنًا بل فرحًا وكأني قد شعرت للتوْ بالقهر وأخذ يتطاير الرصاص من هذا السلاح ليشُق صدر كل مُعتدِ على أرض الإسلام وكأني أُلقنهم كلمات هذا الجندي الذي تركني وذهب حيث رفقة الأبرار .. لأجدهم يسقطون أرضًا ويشتد عُنفى في حمل السلاح ، أُقاتل وأُقاتل وأُقاتل حتـــــى سقطتُ .. والآن أدركت كيف تحمل هذا الجندي هذا الكم من الرصاص ، شعرتُ بأن دوارُ قد لحق بى وأخذت أتأرجح بين الحياة والموت حتى أُلقى جسدي صَريعًا جوار هذا الجُندى .. وربمـا لم يُحالفنى الحظ بأن أجد من أُلقنه الدرس وأُعيره كلمات رفيق الدرب .. أجد خيط الحياة يتضاءل أمام ناظري ولا أدرى ماذا أفعل لتصل رسالتنا إليكم .. أدعوا الله أن تصل رسالتنا إليكم ولكن كيف ؟! .. تلمست بأصابعي دمى الذي قد مُزج بدم هذا الجُندى وكتبت لكم .. هويــــة وطــــن !